الأحد، 4 مايو 2008

وصمة المرض النفسي

حسب قراءاتي الحديثة هناك مقولة متداولة ـ لست متأكداً من دقتها ـ أن الأمراض النفسية هي الأوسع انتشاراً في المجتمع الإنساني المعاصر وهي الأخطر أيضاً لأن التعرف عليها والإقرار بوجودها متصل بثقافة الفرد والمجتمع وارتباطهما ببيئة وواقع الإنسان ، فكثيرا ما يعبر الناس عن خوفهم من زيارة الطبيب النفسي أو المستشفى النفسي ، لآن رؤية الأقارب و الجيران والأصدقاء لهم في هذا المكان معناه ( وصمة مرض نفسي ) ستلتصق بهم وتبعاتها عليهم قد لا تحتمل خاصة إذا كانت المريضة أنثى فذلك يهدد مستقبلها ولا شك .
والعجيب أن البعض يعتقد أن مفهوم الوصمة هو حكرا على مجتمعاتنا المحلية وأن المجتمعات الغربية المتقدمة خالية منها كما يصور ذلك الإعلام الغربي و الواقع التاريخي يحكي لنا أن الوصمة انتقلت لنا من الغرب ، ففي العصور الوسطى كان المريض النفسي يعالج على يد رجال الكنيسة لذلك سادت خرافات وهمية تربط المرض النفسي بالأرواح الشريرة والجان و السحر وتلبس الجان وظهر تطرف في التعامل مع المريض النفسي فعمدوا إلى عزله في أماكن سيئة و التقييد بالسلاسل لمدة طويلة حتى وصلوا إلى الحرق للتخلص من ما تلبسه من أرواح .
إن المعتقدات الوهمية حول المريض و المرض النفسي كثيرة ومتنوعة وأسهمت وسائل الإعلام في تأصيل العديد منها سواء من خلال تصوير المريض النفسي في صور مبالغ فيها جداً أو من خلال جعلهم محط سخرية واستهزاء وموضوع نكت وفكاهات ، بالإضافة إلى رسم صورة للطبيب النفسي بأنه منكوش الشعر له سلوكيات غريبة متأثر بمرض من يعالجهم ، فضلا عن الغموض الذي يحيط بالظواهر و الموضوعات النفسية وقلة العلم بها عند كثير من شرائح المجتمع المثقفة منها قبل الجاهلة هذا الغموض فتح مجال للخيال لينسج الصور والأسباب و المظاهر السلبية المبالغ فيها وتسميتها بمصطلحات نابية أو إرجاعها إلى قوى خفية ( كالسحر والعين والجان ) كل هذه الأسباب جعلت من الوصمة أمراً بالغ التعقيد والتخلص منه يحتاج إلى جهد ووقت وتكاتف العديد من الجهات الحكومية والخاصة .
ومن الأساليب و الوسائل المقترحة لمحاربة هذه الوصمة ما يلي :1- دمج العيادات النفسية مع باقي العيادات الأخرى في مستشفى واحد حتى يرفع الخوف و الحرج عن المريض عند مراجعته للطبيب النفسي ، ويصبح الدخول لعيادة الطب النفسي أمر معتاد للجميع .
2- ظهور الأطباء النفسيين للمجتمع من خلال محاضرات توعوية وتقديم خدمات إنسانية عن طريق مؤسسات خدمية بالمجتمع تسهم في تصحيح الصورة عن الطبيب النفسي وتنشر ثقافة صحيحة عن العلاج النفسي .
3- استخدام المصطلحات العلمية الصحيحة للاضطرابات النفسية ، وإحلالها بدلاً من المصطلحات النابية الجارحة للمريض النفسي كالمجنون و المعتوه و المتخلف العقلي أمر بالغ الأهمية .
4- نشر ثقافة أن المريض النفسي لم يختار أن يصاب بهذا المرض وأنه ابتلي به كما يبتلى الآخرون بأي مرض عضوي آخر لذا فالعلاج النفسي كالعلاج من مرض كالزكام أو القرحة أو الكسور ، كما يرتبط بذلك كشف الحقيقة العلمية أن العقاقير النفسية ليست مخدرات ولا تؤدي إلى الإدمان كما يعتقد الكثير من الناس .
5- أن يسهم رجال الدين من خلال المساجد و الخطب و المحاضرات و الندوات الدينية بدعم العلاج النفسي وأن يتكامل مع العلاج بالرقية الشرعية وأن ليس كل ما يصيب الإنسان هو مس أو سحر وأوعين .
6- أن يساهم الإعلام في تصحيح الصورة للمرض و المريض النفسي وأن يروج لدعم المريض النفسي واحتوائه حتى يتخلص من اضطرابه النفسي ويعود صحيحاً معافا .
7- دعم الطبيب النفسي من الأطباء الآخرين بتحويل الحالات النفسية لهم وعدم النزول لخوف المريض من الطبيب النفسي وصرف أدوية من قبلهم بحجة عدم رغبة المريض في الذهاب للعيادة النفسية .
8- محاربة الخرافات الوهمية والقناعات السلبية تجاه المريض والمرض النفسي عبر وسائل الأعلام المختلفة والبرامج والأنشطة المدرسية و الحملات والمحاضران والندوات العامة وعبر المساجد والخطب الدينية
9- بيان أن الطب النفسي على مر العصور ساعد الإنسان على التخلص من العديد من المشكلات النفسية وتعامل معها ايجابياً ووجه سلوك الإنسان نحو تمتعه بصحة سليمة ودعم تكيفه مع بيئته وظروفه ونجح في ذلك .
10- إنشاء الجمعيات المتخصصة التي تقدم الدعم لأسرة المريض النفسي لتفهم حالته وكيفية التعامل معه حال مرضه وكيف تسهم في دمجه في حياته بعد شفاءه .